على البار | فادي أيوب

Fady Ayoub

02 يناير  .   2 دقيقة قراءة  .    556

وريثما أعدت كأسي إلى البار بعد أن أفرغت في فمي ما تبقى فيه من فودكا، تُمعن إحداهن النظر في لحيتي بمقلتيها اللتين تحركهما محاولةً إثارة شهوتي، غير أنها لا تدري أنني قبل أن أدلف الحانة بساعات انعزلت عن الحياة وصرت في وضعية ”الجثة المتحركة“، تلك الحالة التي تراودني بين الحين والآخر، إذ أجدني بمشقة أدخل أنفاسي وأخرجها، حين أرى العالم يطعن حنجرتي بحربة الواقع.

إنها الأوقات اللعينة التي أعود فيها لأدرك إنسانيتي الهشة وبشريتي الرقيقة وجسدي الهامد و … و... مهلًا! سُحقًا!! ألا يكفي كل هذا الكم من الفودكا ليُذهب عقلي الذي لا ينكف عن التحليل؟! هل هذا الخمر مغشوش أم أن دماغي قد فطن لمحاولتي التحايل عليه كي يتوقف عن التركيز؟!

اهدأ يا عقلي! رجاءً! أيعجبك ما نحن فيه؟ ألم تسأم التفاصيل التي تقتلني وتقتلك؟ تساؤلات كثيرة تغزو عقلي وإجابات أكثر تجول في خاطري بينما أمعن النظر إلى الأمام، شاردًا في قفر أفكاري، وفيما أفعل ذلك أرى شخصًا أمامي يشبهني كثيرًا… ملامح وجهه أعرفها ولكنه ليس أنا، إنه شخصٌ باهت… كلا هذا ليس شخصًا أراه، إنها المرآة. عجبًا! إنه أنا! حسنًا لقد تذكرت، فأنا حين أكون تلك ”الجثة المتحركة“ لا أعرفني.

تخالجني أفكارٌ عشوائية النطاق. تجابهني الذكريات. يقف حولي الأشخاص محاولين بَدْء الأحاديث ولكني لا أعلم ما الذي يجري، أقف كالصنم أحرك عيناي. أقسم ذلك، لا أعلم لما هجرتني الكلمات؟ كيف أنا الشخص المحتاج للبشر أراني أرتاح للصمت عن الكلام. كيف وأنا بليغ الكتابة أراني لا أجيد تركيب جملة واحدة في هذه اللحظات. أراني أفقد أغلب قدرتي على التواصل، بل الأدهى هو أني لا أشعر بشيء مادي على الإطلاق. فبينما أنظر لذاتي في المرآة تستمر تلك الفتاة في تمرير أطراف أصابعها الرقيقة بين أزرار قميصي محاولة التلامس مع جسدي الدافئ، وممررة باطن أصابعها بحركة دائرية على شعري الكثيف المتخفي خلف قميصي. تمارس ذلك ببطء شديد وهي تميل الكتف وشعرها ينسدل على خدها الناعم ليمر بين منحنيات صدرها الأملس، تفعل ذلك دون كلمات تصدر من شفتيها الحمراوين التي تفتحهما بشبقٍ عادةً ما يثيرني ولكن، ليس هذه المرة. روحي ليست ههنا، إنها منسحبة بمعزل عن الحياة، هاربة كالأطفال المختبئين من المسؤولية، روحي تركت جسدي الذي لا قيمة له بدونها. أتعجب من هؤلاء الرجال الذين بإمكانهم الهروب من الكآبة بممارسة الجنس، فأنا لا يُحرك لي ساكنًا ولا ينتصب لي قضيب إن لم تكن روحي صافية منتشية. أمسكت يد المرأة وركنتها إلى شقيقتها بعد ربتتها برفق، ثم حملت معطفي الداكن واخترقت صخب الحانة الذي لم يتمكن من إزعاج صمتي الدهري وخرجت من الحانة للشارع وأنا لست أقوى على أي شيء سوى النظر، والإمعان في النظر … خرجت للشارع وأنا لست سوى ”جثة متحركة

  1
  3
 0
مواضيع مشابهة

22 ديسمبر  .  1 دقيقة قراءة

  1
  1
 0

25 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  0
  1
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال